تجربة كتابة الأسطورة

تمثل الكتابة عن الأسطورة أهمية خاصة لتأثيرها المباشر على السلوك الجمعي العام لما تشغله من مساحة كبيرة في مناحي مختلفة من حياة الناس ولما ينعس ذلك على سلوك أفراد المجتمع كنتيجة لانقياد المجتمع بمختلف أطيافه لتسلط معتقداتها للك فإن الكتابة والبحث في هذا الجانب وإن قلّ من يكتب عنه ولم يلتفت للبحث في تفاصيله إلا قلة يجن أن تنال طبيعة العمل المشروعي لعدة أسباب.أول هذه الأسباب أن كثير من  الأساطير وما يتخلل معتقده امن خرافات تسير جنبا إلى جنب مع سيرورة حياة الناس وتلامس تفاصيل حياتهم اليومية ولارتباطها بالعديد من السياقات المختلفة التي تتطلب شمول البحث لجوانب عدة في أفراحهم وأتراحهم

كما أن طبيعة العمل المشروعي يتطلب العمل على إيجاد قاعدة بيانات تشمل جوانب مختلف لمحيط البحث المجتمعي لتحديد المنطلقات الأساسية للكتابة في ظل ندرة المعلومات واستنادنا إلى الحكاية الشفهية المروية على ألسنة كبار السن والمعمرين وما يروج في المجتمع من دلالات تردد في الأمثال والحكم والمقولات المتوارثة لتحليلها والبحث في تفاصيها لا سيما وأن موضوع البحث يتناول التاريخ الاجتماعي القديم للمدينة وفي ظل ظروفا قاتمة كانت تعانيها  ابتداءً من صعوبة توفر المتطلبات وكذلك تفشى الجهل وصعوبة الظروف البيئية.

 وتأتي أهمية الكتاب ذلك لعدم توفر مشروعات أو تجارب كتابية أو أطروحات بحثية سابقة مما يجعل من الاتجاه للكتابة في هذا الشأن هو محاولة أولى لتجربة كتابية قد لا تكون محفوفة بالنجاح لعدم توفر الخلفية المرجعية من الأبحاث المتخصصة والمراجع التي تناولت تغطية هذا الجانب. وهذا ما يجعل تلك التجربة الكتابة تحتمل القراءة المتعددة للمادة باعتبارها منتج خام يمكن في المستقبل إعادة تناوله في محاور بحثية متعددة وعلى نحو منهجي عميق على سبيل التحقيق والتمحيص البحثي.

لذلك فقد تم التعامل مع فكر الأسطورة كتجربة إنسانية لها جذورها الضاربة في القدم لذلك فقد تطلب الأمر التعامل مع المرويات المكتوبة أو اليشفهية التي تدور على ألسنة الناس عبر الأجيال على أنها أثر يتسوجب بحثه على النحو والكيفية التي وردت إلينا بها وعرض وتحليل محتواها دون تغيير أو طمس لأي من جوانبها ومحتوياتها الفكرية. وقد عمد المؤلف لهذا الاتجاه نظراً لندرة أو لنقل إنعدام المصادر والأبحاث التي تناولت جانب الأسطورة إلا النزر اليسير من المرويات في كتب التاريخ القديم ومؤلفات المعاصرين ورواد الكتابة ومدونات الرحالة وهي معوقات بحثية تحتم على الباحث الاجتهاد في تأسيس قاعدة البناء الكتابية وكذلك في بناء المادة العلمية وتقسيماتها الموضوعية.

وتأتي أهمية البحث في هذا الجانب للمدينة لما راج عنها عبر التاريخ القديم بأنها صاحبة أقدم الأساطير فوجود ضريح أم البشر على أرضها ونزولها على أرضها كما تروي كتب بالتاريخ القديم يمنحانها ذلك الحق في البحث وتقديم الاهتمام لمشروع الكتابة عنها وعن أساطيرها القديمة ، فقد صاحب أساطيرها القديمة وصاحب ذلك على مر الأجيال من العديد من المعتقدات والممارسات التي رسمت ملامح أسطورة تجاوزت حدود الاعتقاد الزماني والمكاني إلى المساحة الرحبة حيث شاع اعتقاد المسلمين الذين يزورون المدينة بمحتوى الأسطورة فكان ذلك الضريح عبر الزمان  مقصداً للزائرين وقاصدي البقاع المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة باعتبارها بوابة البحر الرئيسية مما أعطى تلك الأسطورة فضاءً أوسع وتأثيراً متعاظماً ، حيث تهول النفوس للبذل والعطاء استرضاء لمقام أم البشر وكسب الأجر المثوبة من هذا البر العظيم باعتبار أن حواء عليها السلام ليست أم سكان المنطقة المحلية وعلى المستوى الأوسع ليست أم المسلمين وحدهم وإنما هي أم البشر من جميع الأجناس والملل.

  وكفى بهذا الافتراض الاسطوري أن نعطي موضوع الأسطورة لهذه المدينة القديمة حقه من الاهتمام والبحث والدراسة .. كما يمنحها ذلك طبيعة استثنائية خاصة سواء من حيث كونها أسطورة أو من حيث القيمة الأثرية والتاريخية كما أن ذلك سيرفع من سقف القيمة المعنوية للبحث الذي يهم البشر في جميع أرجاء العالم وبمختلف أديان البشر ومللهم وأجناسهم فالأمر يتعلق بأم البشر جميعاً دون تحديد جنس أو لون أو ديانة وقد شهد تاريخ المدينة جدلاً لأجل ضريحها المزعوم الذي من غير الممكن بحسب الأسانيد والمرويات إثبات حقيقته من زعمه لكن ما يهمنا من دراسة الأساطير هو حالة التأثير الذي خرجت به وما صال وجال في عقول البشر في شتى بقاع الأرض من ممارسات ومعتقدات بشأمها ولأجلها وهي صورة لنمط أسطوري يفتح لنا النافذة لبحث أساطير المدينة القديمة وما راج في فضاءها عبر الأزمنة والأحقاب السالفة.