حكايات العطارين في جدة القديمة

المؤلف : عبدالعزيز عمر ابوزيد

تعريف بالكتاب:

حكايات العطارين في جدة القديمة

الطبعة الاولى 1416هـ الطبعة الثانية 1431 هـ

تناول هذا الكتاب مهنة العطارة والطب الشعبي في مدينة جدة قديماً كجانب من مكونات الثقافة المجتمعية من خلال تغطية البحث في الكثير من الشؤون المرتبطة بالمهنة وكذلك الشؤون المغيبة لممارساتها وأنشطتها لما لها من خصوصية الارتباط بمعتقدات وأفكار راجت بين الناس عبر تاريخ المدينة القديم وتواءم بعض منها بفكر الخرافة الشعبية.
واعتمدت مادة الكتاب على البحث الاستقصائي في التفاصيل ذات الارتباط بالعادات والتقاليد والأعراف السائدة وأنماط من التفكير والممارسات الشائعة والمتعلقة ببحث الإنسان عن حلول علاجية للمشكلات التي يواجهها في بيئته المحلية واعتنت مادة الكتاب بالبحث عن مكونات للوصفات التقليدية الدارجة وتوثيقها وسعي أرباب المهنة لتوظيف جميع العناصر المتوفرة من البيئة والمستوردة من خارجها لعلاج المشكلات في إطار اهتمام المهنة حيث يعكس ذلك النشاط عمق التجربة الإنسانية في البحث عن الحلول العلاجية للأعراض والمشكلات وكذلك التعريف بأصناف الأعشاب والوصفات وتقديم دراسة تاريخية لمهنة طب الأعشاب في المدينة وأشهر أرباب المهنة ووسائلهم وطرقهم العلاجية والأنظمة المهنية التي تحكم فضاء المهنة.

كما تطرق الكتاب إلى جوانب من التفكير الاجتماعي بالخرافات الرائجة التي كان يدور رحاها من مكونات تلك الأعشاب التي يحيكها ويجمعها العطار لمعالجة الناس وهي تكشف في حقيقتها عن علاقات خفية ومغيبة وتدخل في نطاق ممارسات ذات تأثير سلوكي وتترجم أبعاد غير ظاهرة من ممارساتهم المهنية ومن ذلك علاقة الناس بماء بحيرة الأربعين التي شكلت ارتباطا بكرامات وبركات اعتقد بها الناس قديماً.

ومن ذلك أيضاً ارتباطهم الناس الوثيق ببعض الوصفات التي تثير الظنون لمجرد الالتفات لبعض مسمياتها والتي كانت بحسب وصف العطار لها واعتقاد الناس بها تطرد الارواح الشريرة وتبطل مفعول العين الحاسدة وتقمع الضرر الذي قد يتنج عنهم وعن تربصهم بهم لا سيما عند الحديث تتمتع بثراء تجارتها وشهرة تجارها ورواج الحركة الدائبة في أسواقها الشهيرة منذ القدم حتى أطلق عليها المؤرخون بخزانة مكة لما يروج فيها من أنواع السلع المختلفة حيث مما اكسبها اهمية تجارية واقتصادية مميزة ..

الكتاب رصد مهنة العطارة وطب الاعشاب وأشهر العطارة ووصفاتهم وكذلك جميع الروابط ذات العلاقة بمهنتهم وتسويقها ومصادرها وطبيعة المنافسة التي شكلت في سماء المهنة فضاءً رحياً من التحديات التي قادت سكان المدينة إلى صدام ومنافسات وجدل شائك وخاصة إذا اتصل الأمر بشخصية العطار وهيبة مكانته حيث كانوا يعتقدون ببركاته العلاجية وقوة خبراته ولا سيما عند تقديم خلطاته التي يجهل كثير من الناس صنوفها وتركيباتها ومهارته في تشكيل وصفاتها لأمراض والأعراض الصحية المختلفة.

وتطرق الكتاب الى بدايات نشأة الطب الحديث في المدينة الأكثر انطلاقا عن غيرها بحكم انفتاحها على العالم الخارجي لشهرة ورواج تجارتها ووجود مينائها الشهير الذي يربط تجارة الشرق بالغرب حيث قدم الكتاب وصفاً دقيقاً لحالة الصراع الحضاري التاريخي بين القديم الذي يمثله العطار والطب الحديث الذي دخل بوابة المنافسة في المنطقة من خلال بداية نشاط الصيادلة وجود الأطباء في المدينة الصغيرة وما غالب تلك المنافسة المحمومة من صراعات تجاذبات بين القديم والجديد وصراع البقاء لأحدهما على حساب الآخر وسعي كل طرف للحيلولة دون الفشل وبذل كل ما يمكن لحماية دائرته من السقوط دفاعاً عن تجارته ودورة مصالحه المتحققة بقناعة الناس بجدوى ونفعية أحدهما على حساب الآخر وليس للمنافسة من سبيل إلا بسقوط طرف دون الآخر وتقليص مساحة وجوده في حارات المدينة وحياة سكانها.

وقد تأرجحت تلك الحالة من الصراع المحموم بين التمسك بالقديم التقليدي واتساع رقعة الاقتناع بالجديد الذي يختلف جذرياً عن بدائية طرق العطار ووصفاته الشعبية المعروفة آنذاك حيث واكب انتشار الصيادلة والأطباء رويداً رويداً ورغم عدم رضا الناس عنها وعدم قبولهم لها واستحسانهم لوجودهم في بداية الأمر ولكن ذلك لم يمكث طويلاً حيث أخذوا مكانهم في المنافسة الطبيعية وبسحبهم البساط من تحت أقدام العطارة.

تلك المنافسة كانت قاسية في صراعها بين الاقتناع بالقديم الذي يتربع عرشه العطار ببركته وخبرته ومكانته وهو بدوره لم يتهاون عن استخدام ما أمكنه ذلك من وسائل دفاعاته التشكيكية في عقاقير الأطباء والصيادلة وأدويتهم الصناعية منافحاً حتى أخر رمق عن مهنته ومكانته ودوره الريادي الأصيل وعن تجارته الرائجة والمتنامية وكذلك توظيف جميع أسلحته للحفاظ على مكانته وهيبته ووجوده في حياة الناس وهو رصيد كان ثميناً وراسخاً ومتنامياً يملكه العطار مع ارتفاع الطلب على خدماته وحلوله العلاجية التي تعتمد على مخرجات من الطبيعة بعكس عقاقير الأطباء وأدويتهم التي تعتمد على مكونات صناعية.

لكن المنافسة التي كانت تواكب حركة التطور المحموم الذي شمل جميع مناحي الحياة ومجالاتها قد مالت مع تطور الطب الحديث ونبوغ مجالات علمه وعطاءاته واتساع فروعه المتخصصة وتطور حلوله العلاجية المتقدمة للأمراض المختلفة .. وتحقق للطب الحديث في هذه المدينة السبق عن غيرها في المنطقة بقيام المستشفيات الكبرى والمتخصصة والمراكز العلمية وبقي العطار في تراجع ملحوظ لصنعته وهجر الناس لوصفاته التقليدية إلا النزر اليسير والنظرة السائدة التي بدت محبطة لهم لكونها نمط تقليدياً من حياة الماضي القديم الذي لا يجاري العصر الحديث فوصفات العطار لا تخضع لتقنين علمي ولا تقوم في نظر الأجيال الجديدة على دراسة منهجية كما هو الطب الحديث الذي يعتمد في خدماته على خطوط إنتاج تقوم منظومة متكاملة من خدمات الأشعة والمختبرات والعلاج الطبيعي والتمريض تستمد ويرأس هرمها الطبيب شخصية العطاء من حسابات المجتمع وحول محله التاريخي وموروثه القديم إلى محلات لبيع التوابل وأنواع الأعشاب لمن يقصد طلبها وينوي تجربه استخدامها هرباً من تكاليف العلاج الطبية الباهظة أو خشية من العمليات الجراحية التي تشكل هاجساً مؤرقاً عند فئات من البشر فلا يمانعون حينها من خوص أي تجارب ومغامرات ومخاطرات لن تزيد توجساً من القادم الذي ينتظره تحت قسوة مبضع ومشارط الأطباء.