حديث الكتب - نوره محمد بابعير
في كتاب حكايات العطارين في جدة القديمة أثبت الكاتب عبد العزيز أبو زيد أن لكل مهنة صداها في بداية وجودها، فذكر (عيادات جدة القديمة) وكان يقصد العطارين من ذلك الوصف. تطرق إلى أهمية وجود العطارين في ذلك الوقت وتقدير النَّاس لهم وتصديق كل وصفاتهم الشعبية، وجعلني أتساءل: لماذا الأبناء يتوارثون مهن آبائهم؟ من يقرأ الكتّاب سوف يفهم لماذا تعلق السؤال في صفحاتهم تحديداً.
حكاية العطارين ...
كانت أول عيادة شعبية للعطارة وأكثرها شهرة هي عيادة الشلبي لصاحبها الشيخ أحمد قمصاني، ووضع الكاتب تفاصيل محل الشلبي و تناقله بين ابن أخته الذي أكمل مهنة العطارة، ورغم ذلك لم تخلد في تلك الفترة بل بدأت مع الشيخ محمد الطائفي وكان العطار الشهير الذي أورث شهرته من الشيخ حامد الشلبي حينها عرفت النَّاس المحل باسم الشلبي، وكان أحمد قمصاني ابن أخته قد اشترى محل خاله عام ١٣٥٤هـ ليبقى اسم الشلبي موجوداً في أذهان الناس وسمعة تاريخ الشلبي وفاءً له لمعلمه القدير، ووقتها أصبح الناس يلقبون أبناءه بالعطارة لاستمرارهم في تلك المهنة.
ثم ذكر ثاني محل للعطارة وكان لسعيد باديب بجانب مسجد عكاشة، وكان الثالث للعطار حامد أبو الحمايل عند سوق الندى، والرابع للعطار محمد فتح الله بباب شريف، والخامس للعطار محي الدين مليباري بحارة النورية “ سابقاً “ وهو أقدم محل للعطارة إذ بدأ عام ١٢٩٠هـ تحدث عن محله بأنه كان بمثابة مخزن متكامل لتجارة العطارة بالجملة، والسادس للعطار عبد الله سالم باقبص، والسابع للعطار حسن لمبة بسوق الندى، والثامن للعطار محمد داود الهندي، والتاسع للعطار حسام الدين بجانب مسجد عكاشة. كان الكاتب مهتماً بالتفاصيل فذكر أسماء العطارين في بداية الكتاب وطريقة النقلة التي تحدث بينهما في قابلية الناس لهم، مما يجعل القارئ يفهم الحكاية المرتبطة بكل محل للعطارين.
للعطارة تنافس ...
ذكر الكاتب في الكتاب عن الفترة التي أصبحت فيها بوادر المنافسة عالية جداً بينهم، تجعلك تفكر أن للعمل فطرة بشرية وللشغف رغبة ذاتيّة كلما كانت موجودة بالداخل وتبنّي للإنسان منافسة دائمة يُخرج من خلالها أفضل ما لديه من خبرة كافية تتلاءم معه.
كان بعض العطارين من شدّة شهرتهم وسمعتهم الطيبة لدى الناس يأتون من خارج جدة على صدى ذكرهم وثقة وصفاتهم الشعبية تجاه مرضاهم.
التغير الصادم ...
كان الناس يعتمدون على العطارين ولم يخطر في البال أنه مع الوقت يتطور الأمر وينتقل من محور العطارين إلى محور الصيدليات حينما افتتحت أول صيدلية، كانت أشبه بالكارثة لدى العطارين واختلفت المنافسة بطريقة مرعبة أفقدتهم لمعان مهنتهما المعتمدة عند حاجة الناس لهم.
ثم ذكر الكاتب أوائل الصيدليات التي افتتحت في بداياتها وكيف واجه رفض الناس لها وعدم قبولها بينهم والثقة في أخذ أدويتها.
أول صيدلية كانت عام ١٣٦١هـ لصاحبها سعيد التمر، ثاني صيدلية كانت عام ١٣٦٣هـ لصاحبها عبد الرؤوف بترجي، ثالث صيدلية كانت ١٣٦٣هـ لصاحبها عبد الحميد، تغيرت المنافسات من بين العطارين إلى الصيدليات ولكن مع هذا ظل قلق العطارين أكبر من قلق الصيدليات تجاه بعضها البعض.
النهاية ...
الكتاب مليء بالحكايات والأحداث والتغيرات التي واجهها الناس في تلك الحقبة الزمنية، وتشتت أفكارهم بين اعتيادهم على العطارين وإضافة الصيدليات والمستشفيات في تغييرها لوجه نظرهم واهتمامهم نحوها.
الكتاب يجعلك تتفكّر في جميع الأشياء التي ارتبطت في العطارين ومدى اهتمامهم في الأعشاب واستمرار رغبتهم في المهنة رغم تطوير العيادات والمستشفيات إلا الخوف الذي أصابهم في تلك اللحظة كان صدمة كبيرة لهم، فمهما وصفوا الأدوية للمرضى كانوا لا يعرفون من أي نوع هي بعكس بساطة العشبة وعودتها إلى أي نبتة أو شجرة.