وضع العالم الألماني فرايدلهايم فولنهورست اختراع الهاتف الجوال ولم يعلم بأنه سيدخل عالم (الصم) من أوسع أبوابه ونقصد بالصم هم المعاقون سمعيا من فئات ذوي الاحتياجات الخاصة .
فقد قدم لهم أعجوبة ستواري إعاقتهم جانباً بعد طول معاناة وهو بذلك قد تقلد دون أن يعلم أرفع الأوسمة في حباتهم فإذا كان قد قدم مخترعه الاتصالي للناس لكي يتكلموا مع الغير عبر الجوال فإن الخدمة كانت لا تقل نفعاً وأثراً للأشخاص الفاقدين القدرة على السمع والكلام لأن هذه الفئة قد استطاعت بعد مخترعه أن تتواصل مع الغير بواصطة خدمة الرسائي المكتوبة وهو الأمر الذي كان مستعصياً ثبل ظهور مخترعه العبقري..
وقد أحدث الجوال نقلة هائلة ف حياة الصم وأقول وأنا أحد العاملين في حقل الإعاقة السمعية بأن اختراع الجوال قد كان فتحاً غير مسبوق في حياتهم حيث لم يكن في مقدورهم قبله أن يتواصلوا ببعضهم البعضهم وبذويهم وبمحبيهم قوبذلك كسر هذا الاختراع عزلتهم الاجتماعية التي كانوا يعيشونها طوال حياته مم قبل ، فكان أحدهم إذا غاب أو ابتعد فيستحيل التواصل معه بأية حال من الأحوال ، بل وحتى مع ذويهم في البيت الواحد إذا خلد أحدهم إلى غرفته الخاصة فكيف له أن يتواصل معهم بغير بصره وإشارات أصبعه وهو الفاقد للقدرة على السمع والكلام .
الجوال يحمله الأصم وهو لا يسمع ول يتكلم ولم يعد اقتناؤه من باب الترف ومحاكاة التكنولوجيات ومواكبة تقنية العصر بل أن المسألة في حياتهم مسألة حياة أو موت فبدونه أشبه ما يكونوا بالأموات فهو أي الجوال ما يربطهم بالعالم الخارجي وبدونه ليس للأمل مكان في اتصالهم بالناس فكيف لهم ذلك وهم فاقدي ااتواصل السمعي واللفطي.
الأصم يستخدم الجوال فقط لخاصية الرسائل في التواصل فيما بينهم وبن الناس ومنها تحققت الوظيفة التي لم تكن موجودة في الماضي وكانت حلماً يرجونه إلى أتى لهم القدر بالجوال الذي فيه ميزه الرسائل فوجدوا ضالتهم وأنقذ بذلك هذا الاختراع حياتهم من العزلة وأصبح حرصهم عليه لا يوازيه حرص العامة من الناس لذلك كان اختراع الجوال في حياتهم كما هي مقولة : رمية من غير رامٍ
لأنها لم تكن تستهدف ظروفهم وحياتهم ومشكلتهم مع الإعاقة وإنما جاء إليهم الاختراع في مرمى انتظارهم وشوقهم لحلوله التي تنهي معها عزلتهم فالإعاقة السمعية كانت تحول دون القدرة على إيصال أي شيء يريدونه دون اللجوء للغير وكانت المهمة مستحيلة ويكون ذلك قمة الشعور بالإعاقة إذا طلب منك أحدهم أن تبلغ أسرته أو زوجته أو زملائه بطارئ ما ألم به أو لحاجة ما أرادها.
فمن الطريف للوهلة الأولى إذا شاهدت مجموعة من الصم مع بضعهم البعض وكل شخص في يده جهاز جوال على أحدث طراز بينما لا أحد من لديه القدرة على الرد على أي استقبال أي مكالمة صوتية ترد إليه في مشهد غريب ويدعوا للاندهاش والاستغراب عندما تلحظ الأجهزة تضيء أو تصدر صفيرها دون أن يلقي أحداً منهم أي بالاً لطنينها.
كان الصم قبل معرفتهم بالجوال يستخدمون الرسائل المكتوبة بخط أيديهم للتعبير عن ما يدور في خلدهم من طلبات وحاجات ويتوقف ذلك على القدرة العالية على الكتابة وهو ما يصعب إدراكه مع فقدان عناصر هامة في اللغة فجاءت رسائل الجوال التي تنقل الصور والتي تطورت في برامج التواصل الاجتماعي عير الجوال فأتت مفصلة تفصيلاً مناسباً لذوي الإعاقات السمعية فباتوا يعتمدون على الرسائل في كل شؤون تواصلهم عند انقطاعهم عن أهلهم وأصدقائهم وزوجاتهم ، ومكنت كل فرد منهم التحدث مع أصدقائه وأقربائه ومحبيه وأفراد أسرته داخل مدينته وخارجها عبر الجوال فتلاحظ أحدهم يتحدث عبر النصوص المكتوبة بأنامله فيضحك ويقهقه حتى الثمالة.
حياتهم قبلها ظهور المكالمات المرئية ورسائل الجوال مثلت انتقاله هائلة بكل المقاييس فيتواصلون مع غيرهم ومع زملاءهم في العمل الذين اكتسبوا التحدث بلغة الإشارة والتفاهم معهم من خلالها وكذلك مشاهدة جميع فعاليات فئاتهم من خلال اتصالهم بالجوال وبتكلفة ميسرة جداً ساهمت في إسعادهم وصلاتهم وتواصلهم مع مجتمعهم في الداخل والخارج.
والصم لمن لا يعرفهم فئة تعاني من العزلة كجماعات تفضل الانضواء مع بعضها البعض فتجدهم يميلون إلى مسايرة ومصاحبة بعضهم وقلما تجد بينهم شخص من العاديين إلا في ظروف خاصة جدا لعدم قدرتهم على التواصل مع الآخرين دون استخدام اللغة الاشارية وهو لا يعانون من أي نقص في قدراتهم الذهنية والعقلية ولا يعانون من أي مشكلات في تحصيلهم التعليمي سوى اشتراط توفر وسائل ومناهج تعتمد على لغة الإشارة ما سبب لهم ضعفاً شديداً في القدرة على التواصل مع الغير والاندماج بالمجتمع دون المعرفة بأصول وأساليب هذه اللغة وحتى قبل استخدامهم لتقنية الجوال كانوا يجدون معاناة لا توصف مهما تحدثنا بلسانهم مستخدمون جميع أساليب الوصف البلاغي.
ولو كان يعلم فرايدلهايم أنه نقل حياتهم وأحدث هذا التأثير في علاقاتهم وفي مستوى اندماجهم مع الآخرين وأنه رفع عنهم معاناة أزلية لوجّه اختراعه لهم على وجه الخصوص وانتظر منهم كل هذه السعادة التي تبدوا عليهم بعد عزلة لا مثيل لها بين البشر.