أجيال الكرواسان ..

الكاتب: عبدالعزيز عمر أبوزيد
المصدر: موقع المؤلف

 

 

أطفالنا يستمعون صباح مساء يتناول وجبة الكاراساون  وبمذاقها الشهي دون أي علم بحقيقة شأنها وما تحمله من خفايا وأسرار مذهلة ومخيبة لهم على وجه الخصوص 

ولو علموا ما فيها من خفايا فلا ندري كيف سيقبلون على التهامها وتفضيلها بهذه الصورة فقصة ا الكرواسان ليست عابرة في التاريخ لمن يقع على وعرفة تفاصيلها ويقف على حقيقة شأنها من أحداث مزلزلة في مواجهة أحداث جسيمة في التاريخ الإسلامي وبسببها انقلبت موازين الأحكام من نصر إلى هزيمة مخزية  وتحولت مجريات الأحداث من نصر إلى هزيمة وكان شاهدها هو خبز الكرواسان الذي يفضله أبناؤنا صباح مساء..

لتلك الوجبة قصة تاريخية تحكي حربا مفصلية  بين المسلمين والأوروبيون  في معاركهم الطائلة وهي قصة قد مضت الى حالها  وباتت نسيا منسيا ..ففي النمسا تحديدا يتناولون الكاراساون وهم ينشدون لحن الانتصار لقصة تاريخية مجيدة مرصعة بمداد من ذهب  فكان الخبز سبباً رئيسياً في دحر قوات الدولة العثمانية التي كانت تبسط انتشارها ونفوذها في كل الأرجاء ولكن النهاية كانت على يد الخباز وهو صانع ومبتكر خبز الكراساون حيث قادهم لمفتاح الانتصار دون أن يشارك في صفوف الجيوش المحاربة.. 

فقد جاء على هاش الشبكة العنكبوتية قصة منشورة في مجلة المجتمع العدد  1724 للكاتب عبد المجيد حسين تروي العلاقة التي جمعتنا والأوروبيين على مائدة الكراساون كالتالي : 

عند توقف الجهاد على أسوار فيينا - النمسا حالياً - حيث استعصى على الجيش العثماني المسلم اختراق قلاع وأسوار فيينا القوية ففكر المجاهدون بأن يحفروا نفقاً من تحت الأسوار ليلاً وفي ليلة من الليالي ،! واستمر الحفر ليلاً ونهاراً حتى كاد العثمانيون أن ينجحوا في خطتهم. وحدث ما لم يكن في الحسبان حين اقترب الحفر من أسوار المدينة صادف أن كان خباز المدينة مستيقظاً في وقت متأخر ليجهز الخبز لأهل مدينته ، فتنبه لأصوات تصدر من باطن الأرض فشك في الأمر وانطلق إلى حاكم المدينة وأعوانه لاستيضاح الأمر.

 

 وبعد الإمعان استيقنوا أن العثمانيين يحفرون نفقاً تحت الأرض حيث كان الجميع يعلمون أن المسلمين يحاولون دخول البلدة فانطلق الحاكم مع الخبراء لمصدر الصوت وتيقنوا من أن المسلمين يقومون بالحفر ومحاولة دخول المدينة فتربصوا بهم وألحقوا بالجيش المسلم هزيمة نكراء واحتفل وتم لأهل فيينا ما أرادوا واستطاعوا دحر العثمانيين وكسر شوكتهم.. وتحطمت أحلام العثمانيين على أسوار فيينا.

احتفل أهل فيينا بهذه المناسبة وتم تكريم الخباز لذكائه وفراسته التي انقذت فيننا من قبضة الجيش العثماني  وأراد الخباز حينها أن يُخَلِّد صنيعه فاستأذن من الحاكم أن يقوم بصنع خبزة على شكل (هلال)  وكان الهلال شعار الدولة العثمانية آنذاك .

فأراد الخباز أن يتذكروا دائما هزيمة المسلمين كلما قضموا وأكلوا الهلال المصنوع من العجين وقام بتسمية هذه الخبزة بالهلال – الكاراساون  شعار الدولة العثمانية انتهى..

 هذا هو الفرق باختصار في علاقتنا بهذه الوجبة وبين علاقة الأوروبيين بها فهي رمز الانتصار التاريخي وعلامة فارقة في تحويل شبح الهزيمة إلى حالة فريدة من لمدينة بحجم وأهمية فيينا وكيف أن الطعام تحول في حياتهم من مجرد وجبة إلى تاريخ وثقافة يتوارثها الناس جيلا بعد جيل فأطفال الأمس هم معمري اليوم ولا زالوا يتعاقبون على تفضيل الكاراساون  بذات الأثر في استحضارهم لتاريخ الانتصار الذي يشحذ الهمم لتخطي الصعاب وتجاوز العقبات وتمجيداً لحدث  ابتكار هذه الوجبة وسبب تسميتها وارتباطها بتاريخ دولة بأسرها.

فلهم كل الحق في أن يأكلوا وجبتهم بلحن الانتصار وهو يعرفون حمولة ما يجتره التاريخ من أثر مجيد ، ولا تثريب على ابنائنا وهم يفضلون الكراساون بجهل لتاريخ وجبتهم المفضلة ولا عزاء في الحالتين فحاضرهم يكفيه من الخيبة والتدهور والنكوص ما لا يترك لهم فص اتخاذ القرار فيما يفضلونه من وجبات فكثير من  الوجبات الخفيفة والمطاعم العالمية هي من نتاج الثقافة الغربية ولا اختلاف عندهم بين الكراساون أو غيرها لطالما أن يعرفون خصمهم على صفحات التاريخ بينما واقعهم مؤلم بخيباته وآلامه.

  الفرق بيننا وبينهم بسيط جداً أن الكاراساون عند الغرب هو رمز للنجاح والتفاؤل فيفتتحون صباحهم  من بوابة هذا  المجد ولوكلفنا أنفسنا للتعريف بهذه الحقيقة فربما تكون النتيجة أكثر بلادة من واقعنا البليد لأننا لم نوقف هدير الأسئلة الفضولية التي سيلقيها علينا صغارنا وهي أسئلة بديهية مشروعة لأننا سنعلق فشلنا على شماعة هذا الخبز اللذيذ الذي يتلذذون بمذاقه الشهي بينما تركنا نحن الفشل يتسلل إلينا من كل نافذة للتطور والإبداع والعلم والمعرفة وسيكون وقتها مثالنا على الكراساون بائساً ويستوجب منا تنكيس رؤوسنا أمام صغارنا أو نضعها بين الرمام كالنعام الذي لم يجد له سبيلاً غير الهروب بهذه الحيلة الساذجة للاختباء من هجمات الحيوانات الضارية. 

ولا للاعتراض على تسمية الكرواساون أو شعاره فهو تاريخ قد انقضى بما فيه ومن فيه وبخيره وشرّه  لكن هي دعوة للتفكير والتأمل والمراجعة وتقليب صفحات الماضي فأين نحن صناعياً وتكنولوجياً وثقافياً واجتماعياً وعسكرياً من دول اوروبا ، وأين هي قدراتنا اليوم بغير التهام هذه الوجبة كغيرها من المنتجات الأوروبية والغربية عموماً ،  فإن كان المسلمون قد حاصروهم عدة أشهر خلف سور حصين ومنيع فإن أوروبا اليوم وبعد احتفال الكرواساون قلبوا طاولة الهزائم والحصار إلى تطور مذهل وانتصار في شتى ميادين الحياة فلهم كل الحق في أن يقدموا الخباز كرمز للنجاح والانتصار ولصغارنا الحق في اختيار وجباتهم المفضلة!!

 

Back