مبررات إنسانية للدهليز

الكاتب: عبدالعزيز عمر أبوزيد
المصدر:

سؤالان يحيّران ذهن المعلم البلدي قبل عملية البناء وهو يرسم خريطة البيت بعصاه مخططًا على الأرض لتصور خطة ولو حدث أي خطأ أثناء عملية التعليق البناء، فلا يحمل همّ أي أسئلة أخرى مهما بلغت درجات غموضها ونسبة تعقيدها. السؤال الأول يشلّ تفكيره ويتوقف عليه سرعة التنفيذ أو تأخيره، أما الأسئلة الأخرى يصل إليها بالتدريج ويفكر فيها في حينها. 

ويتعلق اهتمامه الأول بمدخل البيت الذي يسمى بالدهليز، وهي برحة تطل على باب المنزل وإلى جميع المقاعد والغرف وبيت الدرج، وفي ظروف البناء التقليدي إذا استطاع المعلم البلدي أن يسيطر على شكل وموقع الدهليز ويحدد حدوده فقد انتهت مشكلة الدور الأرضي عمومًا. لأن الدهليز هو روح الدور الأرضي ويتطلب له مساحة كبيرة، كونه طريقًا شريانيًا مؤديًا لجميع الغرف والدرج ويحتل مساحة كبيرة ومهمة في قلب الدور. 

ويتكون الدور الأول غالباً من مقاعد جانبية وموقع الدرج ومخزن وحمام، أي أنه لا يستثمر كاتجاه سكني بالشكل المناسب بسبب وجود الدهليز وهو بهذه الصورة يضعف الدور الارضي كاستثمار سكني. لماذا هذا التقليد الذي تتفق عليه البيوت صغيرة كانت أو كبيرة قصورًا أو منازل متوسطة وبسيطة الحال، والدهليز بهذا الشكل وبهذه الصورة وبهذه النتيجة يُقرّه المعلم البلدي فقط فهو أمر له علاقة بظروف المهنة وعاداتها، سواءً تم ذلك برضى صاحب البيت أو بعدم رضاه، لأن مبررات المعلم البلدي الإنسانية والمنطقية كفيلة بتسليم راية القبول والخضوع من صاحب البيت لهذه الفكرة واحترام هذا العرف الإنساني. 

فالدهليز يحفظ كرامة صاحب البيت ويخصص من أجله وإن كان ذلك يضر بتخطيط البيت وعلى حساب مساحة الدور الأول أو معظمها، فالمعلم هنا ينظر إلى ما بعد بناء البيت ومصير صاحب البيت في حياته وبعد مماته ففي حياته يستفيد من الدهليز كمدخل ومركز للتهوية وبعد وفاته يكون الدهليز موقعًا رسميًا يستوعب دكة ونعش مالك البيت وتسمح المساحة بإحاطة أبنائه وأقربائه به أثناء غسله تمهيدًا لدفنه، كما يتيح ذلك لأهله ونسائه وبناته توديعه في آخر لحظات بقائه في البيت قبل أن يوارى جثمانه الثرى دون خدش لحيائهن وما قد يحدث من هذا الوداع في هذا الموقف الحساس للجميع فكأن البيت هو كائن حي يودع صاحبه في مدخله شأنه شأن بقية أهله والأغرب من ذلك تسميات البيت تعطي إشارات على أن المعلم يتعامل معه كونه كائنًا حيًا فكل جزء يقسمه عند البناء إلى رأس وصدر وذراع وقلب وما إلى ذلك من أعضاء الجسد. 

ومن هنا تبنى أيضًا العلاقة بين المعلم وصاحب المشروع بجسور من الاحترام والتقدير بهذا الواجب المهني والإنساني الذي يرغم صاحب البيت على احترام وتقدير أفكار المعلم ويقف إلى جانب ما يفرضه المعلم ورفاقه من حرصه على عمله سواءً قبل البناء أو أثنائه أو بعد سكناه، المعلم يكون تحت الطلب للاستشارة أو إعطاء الرأي بشأن البيت الذي بناه، فيرعاه فيما بعد ويهتم به ويكون أول من يقوم بعمليات ترميمه وإعادة تأهيله عند تعرضه لأي أعطاب أو حالات تشقق أصاب جدرانه بانهيارات. ويستخدم الدهليز أيضًا في أيام العزاء الذي يتم أمام البيت كموقع للتجهيز والإعداد للمتطلبات الأساسية وتقديمها للمعزين كالماء وإعداد القهوة فالمساحة تكون كافية وعملية في هذه الحالات.

أما السؤال الثاني الذي يشغل فكر المعلم ويشلّ حركته حتى يضع إجابته العملية النهائية قبل الشروع في البناء ما يسمى بـ(فحل الدرج)؛ وهو لوح ضخم هائل من الأحجار، يعتبر هذا الفحل هو أثقل جزء في البيت وهو في نظر المعلم يعادل ثقل البيت أهميةً ووزنًا، لأنه يعدل كفة البيت ويرجح ميزانه، فبثقله يشكل ركيزة أساسية في قوة البيت وثباته كونه لا يعتمد على مخططات مدروسة عند وضع الأساسات وإنما العملية قائمة على اجتهادات المعلم. فيتجه المعلم إلى المعالجة بطريقة توزيع الأحمال على العوارض الخشبية التي تعترض الحائط أو ما يسمى (بالتكاليل) ارتكازًا على ثقل هذا الفحل الحجري، والفحل مكون من لوحين ضخمين من الأحجار المنقبية تبنى في وسطها الدرج وللفحل مدخل صغير يسمى بيت الدرج. 

وكما أسلفنا أيضًا فيما مضى بأن أي علامات تظهر في أي جدر كظهور شطب أو بروز أو ميلان فإن العملية يمكن علاجها بهدم الجدار واعادة بنائه بواسطة التعليق أما إذا كان الخلل من الفحل فإن ذلك يكون خطيرًا جدًّا ومزعجًا جدًّا وقاتلًا في نظر المعلم البلدي، فمعنى إعادة ترميم الفحل أي هدم البيت بأكمله. ومن أهم العناصر في الدرج وهي السّلمة ويلاحظ وجود قطعة من الخشب على الدرجة تعمل لحماية الدرجة من التآكل، والدربزين وهو الحاجز الذي يقي المستخدمين من السقوط. وعرض الدرج يتسع في المنازل الكبيرة والقصور بحيث يمكن الخيل أو الجمل من صعودها لنقل الأغراض والمؤن كما هو الحال بيت في نصيف. 

 

Back