جناية بشرية في حق طالب موهوب

الكاتب: عبدالعزيز عمر أبوزيد
المصدر: موقع المؤلف

روى أحد التربويين قصة تعد من نوادر القصص جعلت مستمعيه يلوون أعناقهم للنظر ويبسطون آذانهم للاستماع إلى أدق تفاصيلها وأحداثها وهي تتعلق بحالة نادرة لطالب من عباقرة الطلاب وشديدي الذكاء ، كان الطالب يتعرض بسبب ذكائه المفرط وبصفه يومية مستديمة لعقاب لا يتوقف ويتجرع المر من عبارات التوبيخ والنقد والتهزيء ويصل الأمر إلى العقاب البدني لتذمر معلميه وانزعاجهم من سلوكه الحركي الزائد .

 وعرف الجميع فيما بعد أن الطالب المسكين كان تعيس الحظ بسبب ذكائه الشديد وسط جهل كل من هم حوله بطبعة تفكيرته ، وكانت هذه الحادثة من كوارث التعليم التي تجعل الباحثين عن تطويره واكتشاف موهوبيه في حالة صدمة تضحك مستمعوا القصة قبل أن تبكيهم على حال هؤلاء الأذكياء من الطلاب لعدم المعرفة والإلمام بطرق تفكيرهم وظروفهم النفسية والاجتماعية وهي نقطة يجب أن توضع في رأس اهتمامات القائمين على التربية . 

القصة بدأت أن طالبا في المرحلة الابتدائية أتعب معلميه من كثرة المشاغبة وإثارة الفوضى داخل الفصل أثناء حصة مادة الرياضيات التي لا تقبل غير التركيز الشديد لفهم محتوى الدرس .. لكن المعلم لم يحتمل كثيرا مشاغبة الطلاب وإشغاله لزملائه بالحديث معهم وفضوله بتقليب حقائبهم والعبث بأغراضه خلال الحصة فيثقل عليه بعبارات التوبيخ وأنواع العقاب فإما واقفا على قدميه أو على قدم واحدة أو حرمانه من ممارسة حصة الرياضة حتى بات هذا الطالب موسوم بهذه السلوك وأصبح المدرس فاقد الأمل في إصلاح حاله ووصل الاعتقاد في أنه يعاني من حالة اضطراب في سلوكه أو يعاني من فرط حركي زائد لا يمكنه من المكوث ثابتا على كرسيه لوقت قصير  .

وفي ذات صباح أرسل المدرس في طلب المدير يشرح له حاله مع هذا الطالب وسوء سلوكه داخل الفصل وأنه يضطر إلى تعنيفه بالكلام المؤلم وبالضرب البدني ولأن استخدام العصا ممنوع منعا نهائيا ويعرّض المعلم للعقاب وظيفيا ، فقد طالب المدير بمنعه من دخول الحصة حتى تحل مشاكله النفسية ويعالج سوء سلوكه باستدعاء ولي أمره لمعرفة أسباب سوء سلوكه وشغبه المستمر.

لكن المدير كان حاذقا حينما سأل المعلم عن مستوى تحصيل الطالب وتأكد بإجراء امتحان سريع ومبسط أن الطالب مدرك ومتقن جميع المهارات التعليمية وسريع الفهم لمسائل الرياضيات لدرجة ملحوظة ، فيمضي وقته بممارسة الانشغال بأي شأن آخر فيبدو أمام المعلم مشاغبا..  

وبادر سريعا بالاتصال بوالده عن وجود مدرس خصوصي منزلي وأدرك أن ظروف الطالب المادية لا تسمح بغير المدرسة الحكومية بديلا لتعليم ابنه فالظروف متواضعة جدا .

استدعى الدير معلم آخر لمادة الرياضيات وعرضوا عليه مسائل رياضية مختلفة بشكل سريع وخرج جميعهم بنتيجة قطعية التأكيد أن مستوى الطالب رائع في الرياضيات ولديه موهبة سريعة في فهم الدروس قبل غيره من الطلاب العاديين الذين يحتاجون لإعادة الدرس أكثر من مرة لفهم الدرس واستيعاب العمليات الرياضية .. وبادروا في طرح مسائل أخرى لمراحل أعلى من مرحلته الدراسية فكان مستوى تلقيه وفهمه وسرعة إنجازه لها ملفتا لنظر الجميع أدركوا بعدها أنهم أمام حالة خاصة بكل المقاييس .

وتأكد المدير بما لا يدع مجالا للشك أن الطالب الذي كان يتعرض للإهانة والمرمطة في كل حصة يدخلها مدرس مادة الرياضيات وغيرها من المواد هو من فئة الموهوبين والمبدعين الذي يعانون من ضغوط نفسية إذا لم يوضعوا في الأماكن المخصص لهم مع فئة المبدعين والموهوبين كحال جميع الفئات ذات الاحتياجات الخاصة التي تحتاج رعاية من نوع خاص ، وفعلا تم إجراء اختبار تشخيصي دقيق لمستوى ذكاءه فكانت النتيجة الطبيعية انه صاحب معدل مرتفع ومن الظلم له ولمجتمعه الذي يحتاج أمثاله أن يوضع مع طلاب عاديين أقل منه ذكاء وقدرة ذهنية.. 

حاله مثل هذه لا نتمنى أن تكون موجودة مع وجود مراكز خدمات الموهوبين التي تنتظر استقبال حالات كهذه لا يمكن اكتشافها إلا بتعاون الجميع ابتداءً من اكتشاف الأسرة وملاحظة المعلمين وتحفيز الإدارة المدرسية للبحث عنهم بصفتهم ثروة بناء ومحط اهتمام الدول المتقدمة في نبوغها العلمي وتقدمها الإنتاجي حيث يتطلب الأمر خضوعهم  لمستوى من التعليم والتأهيل يتناسب مع طبيعة تفكيرهم ودرجة ذكائهم.

الطريف أن الطالب حينما سألوه لماذا تمارس المشاغبة وتؤذي زملاءك رد عليهم بابتسامه بريئة بأن معلمه في الفصل يكرر كلاما طوال وقت الحصة يصيبه بالملل فيضطر للبحث والانشغال بشيء آخر أكثر فائدة..

 

Back